في وقتٍ يتحول فيه العمران في قطاع غزة إلى رماد وتتوقف فيه تروس الحياة، تسجل شاشات البنوك أرقاماً تبدو للوهلة الأولى "سريالية" ولا تمت للواقع بصلة. فبينما يصارع المواطن لتأمين رغيف خبزه، قفزت الودائع البنكية بنسبة ذروية بلغت 173%، لتلامس سقف الـ 5 مليارات دولار.
إنها مفارقة "النمو تحت الركام"؛ حيث تتضخم الحسابات البنكية في مدينة الأنقاض، لكنها ثروة محبوسة داخل "الأكواد"، لا تجد طريقاً للجيوب.
سجن الأرقام .. لماذا تضخمت الودائع؟
هذا التضخم المفاجئ في الحسابات لم يكن نتيجة انتعاش اقتصادي، بل هو نتاج "شلل مالي" تام. ويرجع الخبراء هذا التكدس الرقمي إلى سببين رئيسيين:
شلل الحركة المالية: توقف الأعمال والمشاريع أدى إلى بقاء الأموال حبيسة الحسابات دون تدوير أو سحب.
تحويلات المغتربين: تدفق المساعدات المالية من الأقارب والمغتربين لغرض الإغاثة، والتي تدخل البنوك رقمياً وتصطدم بجدار منع "السيولة".
مجتمع «رقمي» بالإكراه
لقد تحول القطاع المدمر إلى مجتمع يتعامل بالعملات الرقمية قسراً. المفارقة المؤلمة هنا هي أن المواطن قد يمتلك ملايين الدولارات في حسابه البنكي، لكنه "فقير كاش"؛ يعجز عن سحب بضعة دولارات لشراء وجبة طعام أو دواء، بسبب رفض الاحتلال المتعمد لضخ أي سيولة نقدية (Banknotes) إلى داخل القطاع.
صراع «الكاش» و«الكود».. من نجا من الإفلاس؟
أعادت الحرب تعريف الأمان المالي في غزة. فبينما تعرضت الخزائن الحديدية في المنازل والمحال لعمليات نهب أو دفنت تحت الأنقاض بما فيها من مجوهرات ووثائق و"كاش"، سقط التجار الذين اعتمدوا على السيولة النقدية في فخ الإفلاس والضياع.
في المقابل، نجا -رقمياً فقط- أولئك الذين تحولت ثرواتهم إلى "أكواد إلكترونية". هؤلاء يمتلكون "الأرقام" التي لا تلمسها اليد ولا تحرقها النار، لكنهم يتساوون مع المعدمين في طوابير البحث عن لقمة العيش.
اقتصاد الأرقام الوهمية
يعيش قطاع غزة اليوم حالة فريدة من نوعها عالمياً؛ بنوك ممتلئة بالمليارات، وشوارع خاوية من العملة. إنها "ثروة مع وقف التنفيذ"، بانتظار قرار سياسي يفتح الخناق عن السيولة، ليتحول هذا "التكدس الرقمي" من مجرد أرقام على الشاشات إلى حياة حقيقية فوق الركام.
تابعوا آخر أخبار العقارية على نبض